فصل: الحديث الأول:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث الرَّابِع بعد الْخمسين:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتعمم يَوْم الْجُمُعَة».
هَذَا الحَدِيث فِي صَحِيح مُسلم نَحوه من حَدِيث عَمْرو بن حُرَيْث رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خطب النَّاس وَعَلِيهِ عِمَامَة سَوْدَاء».

.الحديث الخَامِس بعد الْخمسين:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتردى يَوْم الْجُمُعَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَهُ برد أَحْمَر يلْبسهُ فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَة». وَفِي صَحِيح ابْن خُزَيْمَة عَنهُ أَيْضا قَالَ: «كَانَت للنَّبِي حلَّة يلبسهَا فِي الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَة».
وَفِي سنَن أبي دَاوُد من حَدِيث أبي مُعَاوِيَة، عَن هِلَال بن عَامر، عَن أَبِيه قَالَ: «رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى يخْطب عَلَى بغلة وَعَلِيهِ برد أَحْمَر، وعليّ أَمَامه يُعبر عَنهُ».
إِسْنَاده حسن، وَقَالَ ابْن عبد الْبر: انْفَرد بحَديثه أَبُو مُعَاوِيَة ويُقَال: أَخطَأ فِيهِ.

.الحديث السَّادِس بعد الْخمسين:

رُوِيَ «أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا ركب فِي عيد وَلَا جَنَازَة».
هَذَا الحَدِيث بيض لَهُ الْمُنْذِرِيّ فِي كَلَامه عَلَى أَحَادِيث الْمُهَذّب بَيَاضًا.
وَقد ذكره الشَّافِعِي فِي الْأُم مُنْقَطِعًا ومرسلاً فَقَالَ: بلغنَا أَن الزُّهْرِيّ قَالَ: «مَا ركب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عيد وَلَا جَنَازَة».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَن الشَّافِعِي هَكَذَا، قَالَ الْأَئِمَّة: وَلم يذكر الْجُمُعَة فِي هَذَا الحَدِيث؛ لِأَن بَاب حجرته كَانَ فِي الْمَسْجِد، فَلَا يَتَأَتَّى الرّكُوب.
وَفِي سنَن ابْن مَاجَه من حَدِيث ابْن عمر وَأبي رَافع وَسعد الْقرظ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم- «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخرج إِلَى الْعِيد مَاشِيا وَيرجع مَاشِيا». وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أبي رَافع: «وَيرجع مَاشِيا» وأسانيد الْكل ضَعِيفَة بَيِّنَة الضعْف.
وَفِي جَامع التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الْحَارِث الْأَعْوَر، عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «من السّنة أَن تخرج إِلَى الْعِيد مَاشِيا». قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن.
قلت لَكِن الْحَارِث الْأَعْوَر استضعف، وَنسبه الشّعبِيّ وَغَيره إِلَى الْكَذِب، وَفِي «علل ابْن الْجَوْزِيّ» من حَدِيث أبي بكر الصّديق وَعمْرَان بن الْحصين مَرْفُوعا: «الْمَشْي إِلَى الْجُمُعَة كَفَّارَة عشْرين سنة، فَإِذا فرغ من الْجُمُعَة أُجِيز بِعَمَل مِائَتي سنة». ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يَصح، فِي إِسْنَاده الضَّحَّاك بن حَمْزَة. قَالَ يَحْيَى فِيهِ: لَيْسَ بِشَيْء.

.الحديث السَّابِع بعد الْخمسين:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا أتيتم الصَّلَاة فائتوها تمشون وَلَا تأتوها تسعون، وَعَلَيْكُم السكينَة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سبق بَيَانه فِي صَلَاة الْجَمَاعَة.

.الحديث الثَّامِن بعد الْخمسين:

عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولَى من صَلَاة الْجُمُعَة سُورَة الْجُمُعَة، وَفِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة الْمُنَافِقين».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه من رِوَايَة «عبيد الله» بن أبي رَافع قَالَ: «اسْتخْلف مَرْوَان أَبَا هُرَيْرَة عَلَى الْمَدِينَة وَخرج إِلَى مَكَّة، فَصَلى لنا أَبُو هُرَيْرَة الْجُمُعَة، فَقَرَأَ بعد الْحَمد سُورَة الْجُمُعَة فِي الأولَى، وإِذا جَاءَك المُنَافِقُونَ فِي الثَّانِيَة قَالَ: فأدركت أَبَا هُرَيْرَة حِين انْصَرف، فَقلت لَهُ: إِنَّك قَرَأت بسورتين كَانَ عَلّي بن أبي طَالب يقْرَأ بهما فِي الْكُوفَة. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: فَإِنِّي سَمِعت النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ بهما».
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ ذَلِك من فعل عَلّي وَأبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.
قلت: هُوَ كَمَا قَالَ، فقد صَحَّ ذَلِك عَنْهُمَا كَمَا ذَكرْنَاهُ إِذا.
وَرَوَى مُسلم من حَدِيث ابْن عَبَّاس مَرْفُوعا مثل حَدِيث أبي هُرَيْرَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.

.الحديث التَّاسِع بعد الْخمسين:

عَن النُّعْمَان بن بشير- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يقْرَأ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي يَوْم الْجُمُعَة سبح اسْم رَبك الْأَعْلَى، وهَل أَتَاك حَدِيث الغاشية. قَالَ: وَإِذا اجْتمع الْعِيد وَالْجُمُعَة فِي يَوْم وَاحِد يقْرَأ بهما أَيْضا فِي الصَّلَاتَيْنِ».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم فِي صَحِيحه كَذَلِك بِهَذِهِ الْحُرُوف.
وَأخرج أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ مثله من حَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب مَرْفُوعا فِي الْجُمُعَة فَقَط.

.الحديث السِّتُّونَ:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمن مندوبات الْجُمُعَة أَن يحْتَرز عَن تخطي رِقَاب النَّاس إِذا حضر الْمَسْجِد؛ فقد ورد الْخَبَر بذلك.
وَهُوَ كَمَا قَالَ، وَقد صَحَّ ذَلِك فِي حديثين:
أَحدهمَا:
عَن أبي الزَّاهِرِيَّة- واسْمه حدير بن كريب الْحَضْرَمِيّ، وَيُقَال: الْحِمْيَرِي- قَالَ: كُنَّا مَعَ عبد الله بن بسر صَاحب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم الْجُمُعَة، فجَاء رجل يتخطى رِقَاب النَّاس فَقَالَ عبد الله بن بسر: جَاءَ رجل يتخطى رِقَاب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة وَالنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب، فَقَالَ لَهُ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «اجْلِسْ فقد آذيت».
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد: بِإِسْنَاد عَلَى شَرط مُسلم كل رِجَاله احْتج بهم فِي صَحِيحه.
وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا بِإِسْنَاد كل رِجَاله ثِقَات لَا نعلم فيهم جرحا، لَا جرم أخرجه ابْن حبَان فِي صَحِيحه واستدركه الْحَاكِم بِزِيَادَة: «فقد آذيت وآنيت». وَهَذَا لفظ ابْن حبَان: عَن عبد الله بن بسر قَالَ: «كنت جَالِسا إِلَى جنب الْمِنْبَر يَوْم الْجُمُعَة، فجَاء رجل يتخطى رِقَاب النَّاس وَرَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يخْطب فَقَالَ: اجْلِسْ فقد آذيت وآنيت».
وَلَفظ الْحَاكِم عَن أبي الزَّاهِرِيَّة قَالَ: «كنت جَالِسا مَعَ عبد الله بن بسر يَوْم الْجُمُعَة فَمَا زَالَ يحدثنا حَتَّى خرج الإِمَام، فجَاء رجل يتخطى...» الحَدِيث، كَمَا سَاقه ابْن حبَان سَوَاء، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم، وَلم يخرجَاهُ.
وَكَذَا أخرجه أَحْمد وَالْبَزَّار وَالطَّبَرَانِيّ، وَأما ابْن حزم فَخَالف فِي تَصْحِيحه، فَقَالَ فِي محلاه: وَاحْتج من منع بِخَبَر ضَعِيف، رَوَيْنَاهُ من طَرِيق مُعَاوِيَة بن صَالح، عَن أبي الزَّاهِرِيَّة...
فَذكره، ثمَّ قَالَ: لَا يَصح؛ لِأَنَّهُ من طَرِيق مُعَاوِيَة بن صَالح، لم يروه غَيره وَهُوَ ضَعِيف. انْتَهَى.
وَمُعَاوِيَة هَذَا قَاضِي الأندلس، وَثَّقَهُ أَحْمد وَابْن مهْدي، وَقَالَ ابْن سعد: ثِقَة كثير الحَدِيث. وَقَالَ الْعجلِيّ وَالنَّسَائِيّ: ثِقَة. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: ثِقَة مُحدث. وَكَانَ يَحْيَى بن سعيد لَا يرضاه، وَعَن مُوسَى بن سَلمَة قَالَ: أتيت مُعَاوِيَة بن صَالح لأكتب عَنهُ فَرَأَيْت- أرَاهُ قَالَ- الملاهي: فَقلت: مَا هَذَا؟ قَالَ: شَيْء نهديه صَاحب الأندلس. قَالَ: فتركته، وَلم أكتب عَنهُ. فَإِن كَانَ ابْن حزم تَركه لهَذَا، فَتكون الملاهي عِنْده مُحرمَة، ومذهبه عَلَى مَا هُوَ مَنْقُول عَنهُ الْإِبَاحَة.
فَائِدَة: «آنيت»، بِهَمْزَة ممدودة أَي: تَأَخَّرت وأبطأت. قَالَه ابْن الْجَوْزِيّ فِي جامعه وَالنَّوَوِيّ فِي خلاصته، وَالْمُنْذِرِي فِي حَوَاشِيه قَالَ: وَمِنْه قيل: المستمكث فِي الْأُمُور متأنٍّ. قَالَ: وآنيت وأنيت بِمَعْنى وَاحِد. وَوَقع فِي الطَّبَرَانِيّ الْكَبِير: «آذيت وأوذيت». كَذَا رَأَيْته.
الحديث الثَّانِي:
عَن عبد الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يحضر الْجُمُعَة ثَلَاثَة نفر: رجل حضرها يَلْغُو وَهُوَ حَظه مِنْهَا، وَرجل حضرها يَدْعُو فَهُوَ رجل دَعَا الله- عَزَّ وَجَلَّ- إِن شَاءَ أعطَاهُ وَإِن شَاءَ مَنعه، وَرجل حضرها بإنصات وَسُكُون وَلم يتخط رَقَبَة مُسلم، وَلم يؤذ أحدا فَهِيَ كَفَّارَة إِلَى الْجُمُعَة الَّتِي تَلِيهَا وَزِيَادَة ثَلَاثَة أَيَّام، وَذَلِكَ بِأَن الله- تَعَالَى- يَقُول: من جَاءَ بِالْحَسَنَة فَلهُ عشر أَمْثَالهَا» رَوَاهُ... بِإِسْنَاد صَحِيح، وَأما حَدِيث معَاذ بن أنس مَرْفُوعا: «من تخطى رِقَاب النَّاس يَوْم الْجُمُعَة اتخذ جِسْرًا إِلَى جَهَنَّم». فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه وَهُوَ حَدِيث ضَعِيف. قَالَ التِّرْمِذِيّ: غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث رشدين وَهُوَ ضَعِيف.
قلت: وَأخرجه أَحْمد من حَدِيث ابْن لَهِيعَة عَن زبان بن فائد، عَن سهل بن معَاذ عَنهُ بِهِ.

.الحديث الحَادِي بعد السِّتين:

قَالَ الرَّافِعِيّ: وَمن مندوبات الْجُمُعَة أَلا يصل صَلَاة الْجُمُعَة بنافلة بعْدهَا لَا الرَّاتِبَة، وَلَا غَيرهَا، ويفصل بَينهَا وَبَين الرَّاتِبَة بِالرُّجُوعِ إِلَى منزله، أَو بالتحويل إِلَى مَوضِع آخر أَو بِكَلَام وَنَحْوه، ذكره فِي التَّتِمَّة وَثَبت فِي الْخَبَر عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم.
هَذَا لَفظه وَهُوَ كَمَا قَالَ؛ فَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث ابْن عمر- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما- «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة رَكْعَتَيْنِ فِي بَيته». وَفِي صَحِيح مُسلم عَن السَّائِب ابْن أُخْت نمر قَالَ: «صليت مَعَ مُعَاوِيَة فِي الْمَقْصُورَة الْجُمُعَة فَلَمَّا سلم الإِمَام قُمْت فِي مقَامي فَصليت، فَلَمَّا دخل أرسل إليَّ فَقَالَ: لَا تعد لما فعلت، إِذا صليت الْجُمُعَة فَلَا تصلها بِصَلَاة حَتَّى تكلم أَو تخرج؛ فَإِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أمرنَا بذلك أَن لَا توصل صَلَاة بِصَلَاة حَتَّى نتكلم أَو نخرج». وَفِي سنَن أبي دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح عَن عَطاء «أَنه رَأَى ابْن عمر يُصَلِّي بعد الْجُمُعَة فينماز عَن مُصَلَّاهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ الْجُمُعَة قَلِيلا غير كثير فيركع رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يمشي أنفس من ذَلِك فيركع أَربع رَكْعَات» وَأما حَدِيث عصمَة الْمَرْفُوع «إِذا صَلَّى أحدكُم الْجُمُعَة فَلَا يُصَلِّي بعْدهَا شَيْئا حَتَّى يتَكَلَّم أَو يخرج» فَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه بإسنادٍ ضَعِيف لأجل الْفضل بن الْمُخْتَار الواهي.
وَمن الْأَحَادِيث الْمُنَاسبَة فِي هَذَا الْبَاب، وَذكرهَا الرَّافِعِيّ فِي أَوَائِل كتاب الْوَصِيَّة حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «حق لله عَلَى كل مُسلم أَن يغْتَسل فِي كل سَبْعَة أَيَّام، يغسل رَأسه وَجَسَده» وَهُوَ حَدِيث صَحِيح أخرجه الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا. وَرَوَاهُ الْبَزَّار من حَدِيث طَاوس، عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه بِلَفْظ: «عَلَى كل مُسلم فِي كل سَبْعَة أَيَّام غسل وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة». وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح من رِوَايَة جَابر مَرْفُوعا «عَلَى رجل مُسلم فِي كل سَبْعَة أَيَّام غسل يَوْم، وَهُوَ يَوْم الْجُمُعَة».
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَن حَدِيث جَابر هَذَا فَقَالَ: إِنَّه خطأ، وَالصَّوَاب وَقفه عَلَى أبي هُرَيْرَة.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب.

.وَأما آثاره:

فستة:

.الأول:

«أَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَقَامَ الْجُمُعَة، وَعُثْمَان مَحْصُور».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ وَالشَّافِعِيّ فِي الْأُم بإسنادهما الصَّحِيح، قَالَ الْبَيْهَقِيّ نقلا عَن الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم، أَنه قَالَ: وَلَا نعلم أَن عُثْمَان أمره بذلك. وَعبارَة الشَّافِعِي فِي الْأُم والْمُخْتَصر قد تُعْطِي أَنه صَلَّى الْجُمُعَة وَعُثْمَان مَحْصُور، فَإِنَّهُ قَالَ: تصح الْجُمُعَة خلف كل إِمَام صلاهَا من أَمِير ومأمور ومتغلب، وَغير أَمِير. قَالَ الْأَصْحَاب: أَرَادَ بالأمير السُّلْطَان، وبالمأمور نَائِبه، وبالمتغلب الْخَارِجِي، وَبِغير الْأَمِير آحَاد الرّعية فَتَصِح الْجُمُعَة خلف جَمِيعهم. ثمَّ قَالَ الشَّافِعِي بعد هَذَا صَلَّى عليّ وَعُثْمَان مَحْصُور. هَذَا لَفظه، وَمثل الشَّافِعِي بذلك يسْتَدلّ لصِحَّة الْجُمُعَة خلف غير الْأَمِير والمأمور؛ لِأَن عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لم يكن أَمِيرا فِي حَيَاة عُثْمَان لَا أَنه متغلب كَمَا اعْترض بِهِ بعض الحاسدين عَلَى الشَّافِعِي فاجتنبه.

.الْأَثر الثَّانِي:

عَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه قَالَ: «إِذا زحم أحدكُم فِي صلَاته فليسجد عَلَى ظهر أَخِيه».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه بِإِسْنَاد صَحِيح من رِوَايَة أبي دَاوُد- يَعْنِي الطَّيَالِسِيّ- وَهُوَ فِي مُسْنده: ثَنَا سَلام- يَعْنِي أَبَا الْأَحْوَص- عَن سماك بن حَرْب، عَن سيار بن الْمَعْرُور قَالَ: سَمِعت عمر بن الْخطاب يخْطب وَهُوَ يَقُول: «يَا أَيهَا النَّاس، إِن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بنى هَذَا الْمَسْجِد وَنحن مَعَه والمهاجرون وَالْأَنْصَار، فَإِذا اشْتَدَّ الزحام فليسجد الرجل عَلَى ظهر أَخِيه». ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث سُفْيَان عَن الْأَعْمَش، عَن الْمسيب، عَن زيد بن وهب، أَن عمر قَالَ: «إِذا اشْتَدَّ الْحر فليسجد عَلَى ثَوْبه، وَإِذا اشْتَدَّ الزحام، فليسجد أحدكُم عَلَى ظهر أَخِيه».
وَذكره فِي مُسْند الفردوس مَرْفُوعا بِلَفْظ: «إِذا اشْتَدَّ الزحام...» إِلَى آخِره، وَعَزاهُ إِلَى أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ.
وَقد أسلفت لَك رِوَايَته ولَيست ظَاهِرَة فِي الرّفْع، فَتنبه لذَلِك.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: الصَّحِيح فِي هَذَا عَن زيد بن وهب، عَن عمر لَا خَرشَة بن الْحر عَن عمر.
قلت: وَله طَرِيق رَابِع من حَدِيث الْقَاسِم بن عبد الرَّحْمَن قَالَ: قَالَ عمر: «أَرَاكُم قد كثرتم فِي الْجمع، فليسجد الرجل عَلَى ظهر أَخِيه».
ذكره ابْن عَسَاكِر فِي تَخْرِيجه لأحاديث الْمُهَذّب من حَدِيث مسعر، عَن الْقَاسِم بِهِ.
وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن مُصعب بن ثَابت، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «صَلَّى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَرَأَ النَّجْم فَسجدَ بِنَا فَأطَال السُّجُود، وَكثر النَّاس فَصَلى بَعضهم عَلَى ظهر بعض».
قلت: ويعضد هَذَا كُله الحَدِيث الصَّحِيح السالف: «وَإِذا أَمرتكُم بِأَمْر فائتوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُم».

.الْأَثر الثَّالِث:

عَن عمر وَغَيره أَنهم قَالُوا: «إِن الصَّلَاة إِنَّمَا قصرت لأجل الْخطْبَة» وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد بن حزم من حَدِيث عبد الرَّزَّاق، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَمْرو بن شُعَيْب: أَن عمر بن الْخطاب قَالَ: «الْخطْبَة مَوضِع الرَّكْعَتَيْنِ، فَمن فَاتَتْهُ الْخطْبَة صَلَّى أَرْبعا».
وَذكره أَبُو بكر الرَّازِيّ عَن عمر أَيْضا بِلَفْظ: «قصرت صَلَاة الْجُمُعَة لأجل الْخطْبَة».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه من حَدِيث سعيد بن جُبَير قَالَ: «كَانَت الْجُمُعَة أَرْبعا فَجعلت الْخطْبَة مَكَان الرَّكْعَتَيْنِ».
وَرَوَى أَيْضا عَن مَكْحُول أَنه قَالَ: «فِي الْجُمُعَة خطبتان بَينهمَا جلْسَة، فَإِن لم يخْطب فِي الْجُمُعَة فَالصَّلَاة أَربع».

.الْأَثر الرَّابِع:

عَن الزُّهْرِيّ قَالَ: «خُرُوج الإِمَام يقطع الصَّلَاة، وَكَلَامه يقطع الْكَلَام».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ، عَن ابْن شهَاب قَالَ: قَالَ ثَعْلَبَة بن أبي مَالك الْقرظِيّ: «أَنهم كَانُوا فِي زمن عمر بن الْخطاب يصلونَ يَوْم الْجُمُعَة حَتَّى يخرج عمر، فَإِذا خرج عمر وَجلسَ عَلَى الْمِنْبَر وَأذن الْمُؤَذّن. قَالَ ثَعْلَبَة وَجَلَسْنَا نتحدث فَإِذا سكت الْمُؤَذّن وَقَامَ عمر يخْطب؛ أنصتنا فَلم يتَكَلَّم منا أحد». قَالَ ابْن شهَاب: فخروج الإِمَام يقطع الصَّلَاة، وَكَلَامه يقطع الْكَلَام.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي فِي مُسْنده عَن ابْن أبي فديك، عَن ابْن أبي ذِئْب، عَن ابْن شهَاب قَالَ: حَدثنِي ثَعْلَبَة بن أبي مَالك أَن قعُود الإِمَام يقطع السبحة وأَن كَلَامه يقطع الْكَلَام، وَأَنَّهُمْ كَانُوا يتحدثون يَوْم الْجُمُعَة وَعمر جَالس عَلَى الْمِنْبَر، فَإِذا سكت الْمُؤَذّن قَامَ عمر فَلم يتَكَلَّم أحد حَتَّى قطع الْخطْبَتَيْنِ كلتيهما، فَإِذا قَامَت الصَّلَاة وَنزل عمر تكلمُوا.
والسبحة- بِضَم السِّين-: صَلَاة النَّافِلَة.
وثعلبة هَذَا صَحَابِيّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْه.
وَرَوَى بَعضهم عَن أبي هُرَيْرَة، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «خُرُوج الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة يقطع الصَّلَاة، وَكَلَامه يقطع الْكَلَام».
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: هَذَا خطأ فَاحش، إِن هَذَا من كَلَام الزُّهْرِيّ. وَمن كَلَام ثَعْلَبَة كَمَا سبق.
وَقَالَ فِي الْمعرفَة: قَالَ الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم: قد أخبر ثَعْلَبَة عَن عَامَّة أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي دَار الْهِجْرَة أَنهم كَانُوا يصلونَ نصف النَّهَار يَوْم الْجُمُعَة ويتكلمون وَالْإِمَام عَلَى الْمِنْبَر.
وَيروَى عَن ابْن عمر مَرْفُوعا: «إِذا خطب الإِمَام فَلَا صَلَاة وَلَا كَلَام». وَهُوَ غَرِيب ضَعِيف.

.الْأَثر الْخَامِس:

«أَن ابْن عمر تطيب للْجُمُعَة، فَأخْبر أَن سعيد بن زيد منزول بِهِ وَكَانَ قَرِيبا لَهُ، فَأَتَاهُ وَترك الْجُمُعَة».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح، رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من رِوَايَة قُتَيْبَة، عَن لَيْث، عَن يَحْيَى، عَن نَافِع «أَن ابْن عمر ذكر لَهُ أَن سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل- وَكَانَ بدريًّا- مَرِيض فِي يَوْم جُمُعَة، فَركب إِلَيْهِ بعد أَن تَعَالَى النَّهَار واقتربت الْجُمُعَة، وَترك الْجُمُعَة». ذكر ذَلِك البُخَارِيّ فِي الْبَاب الثَّانِي فِي فضل من شهد بَدْرًا.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن سُفْيَان، عَن ابْن أبي نجيح، عَن إِسْمَاعِيل بن عبد الرَّحْمَن بن ذُؤَيْب «أَنه دعِي وَهُوَ يستحم للْجُمُعَة لسَعِيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل وَهُوَ يَمُوت، فَأَتَاهُ وَترك الْجُمُعَة».
قَالَ الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَكَانَ سعيد بن زيد قَرِيبا لعمر.
قلت: هُوَ كَذَلِك، فَإِنَّهُ سعيد بن زيد بن عَمْرو بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن رَبَاح، وَعبد الله بن عمر بن الْخطاب بن نفَيْل بن عبد الْعُزَّى بن رَبَاح، يَجْتَمِعَانِ فِي نفَيْل.
وَقَالَ صَاحب الْمُهَذّب: هُوَ ابْن عَمه يَعْنِي مجَازًا فَإِنَّهُمَا يَجْتَمِعَانِ فِي نفَيْل كَمَا قَرَّرْنَاهُ.

.الْأَثر السَّادِس:

قَالَ الرَّافِعِيّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَذكر صَاحب التَّهْذِيب أَن فِي غسل الْحجامَة أثرا.
وَهُوَ كَمَا قَالَ وَهُوَ: عَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي، كَمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى أبي مُعَاوِيَة، عَن الْأَعْمَش، عَن مُجَاهِد، عَنهُ أَنه قَالَ: كُنَّا نغتسل من خمس من الْحجامَة، وَالْحمام، ونتف الْإِبِط، وَمن الْجَنَابَة، وَيَوْم الْجُمُعَة. قَالَ الْأَعْمَش: فَذكرت ذَلِك لإِبْرَاهِيم فَقَالَ: مَا كَانُوا يرَوْنَ غسلا وَاجِبا إِلَّا من الْجَنَابَة، وَإِن كَانُوا يستحبون أَن يغتسلوا يَوْم الْجُمُعَة. ثمَّ رَوَاهُ بِسَنَدِهِ إِلَى الْأَعْمَش، حَدثنِي مُجَاهِد، عَن عبد الله بن عَمْرو قَالَ: «اغْتسل من الْحمام وَالْجُمُعَة، والجنابة، والحجامة، والموسى». وَقد تقدم فِي الْغسْل رَفعه من حَدِيث عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- فَرَاجعه من ثمَّ.
خَاتِمَة رَأَيْت أَن أختم بهَا الْبَاب، فِيمَا جَاءَ فِيمَن فَاتَتْهُ الْجُمُعَة مَاذَا يفعل فِيهِ؟
عَن سَمُرَة بن جُنْدُب وَعَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما.
أما حَدِيث سَمُرَة، فَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن عَفَّان، نَا همام، عَن قَتَادَة، قَالَ: حَدثنِي قدامَة بن وبرة، عَن سَمُرَة بن جُنْدُب، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من ترك جُمُعَة من غير عذر فليتصدق بِدِينَار، فَإِن لم يجد فَنصف دِينَار».
ثمَّ أخرجه عَن وَكِيع، ثَنَا همام بِهِ بِلَفْظ: «من فَاتَتْهُ الْجُمُعَة فليتصدق بِدِينَار أَو نصف دِينَار».
واستدركه الْحَاكِم، فَأخْرجهُ من حَدِيث يزِيد بن هَارُون، عَن همام... فَذكره، ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد، وَلم يخرج بِخِلَاف فِيهِ لسَعِيد بن بشير وَأَيوب بن الْعَلَاء، فَإِنَّهُمَا قَالَا عَن قَتَادَة، عَن قدامَة بن وبرة، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا، وَلَفظه: «من ترك الْجُمُعَة من غير عذر فليتصدق بدرهم أَو بِنصْف دِرْهَم أَو صَاع حِنْطَة أَو نصف صَاع» ثمَّ ذكر الْحَاكِم بِإِسْنَادِهِ عَن أَحْمد أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث همام عَن قَتَادَة، وخِلاف أبي الْعَلَاء فِيهِ إِيَّاه فَقَالَ: همام عندنَا أحفظ من أَيُّوب بن الْعَلَاء.
قلت: وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ: «من فَاتَتْهُ الْجُمُعَة فليتصدق بِدِينَار، فَإِن لم يجد فَنصف دِينَار». وَفِي لفظ لَهُ: «من ترك الْجُمُعَة من غير عذر فليتصدق بِدِينَار».
وَأعله ابْن الْجَوْزِيّ بِالْإِرْسَال فَقَالَ: قَالَ البُخَارِيّ: لَا يَصح سَماع قدامَة من سَمُرَة. وَقَالَ أَحْمد: قدامَة لَا يعرف.
قلت: قد قيل ليحيى بن معِين: قدامَة بن وبرة مَا حَاله؟ فَقَالَ: ثِقَة.
وَأخرج هَذَا الحَدِيث أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من هَذَا الْوَجْه كَمَا سلف.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا من حَدِيث قدامَة مَرْفُوعا مُرْسلا كَمَا سلف عَن لفظ الْحَاكِم ثمَّ قَالَ: هَذَا مُرْسل. قَالَ: وَرَوَاهُ سعيد بن بشير هَكَذَا، إِلَّا أَنه قَالَ: مدًّا أَو نصف مد، وَقَالَ: عَن سَمُرَة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ، وَابْن مَاجَه من حَدِيث الْحسن، عَن سَمُرَة، وَالْخلاف فِي سَمَاعه مِنْهُ قد عَلمته فِيمَا مَضَى فِي آخر بَاب صفة الصَّلَاة.
وَرَأَيْت فِي الْعِلَل لعبد الله بن أَحْمد: سَأَلت أبي: هَل يَصح حَدِيث سَمُرَة هَذَا؟ فَقَالَ: قدامَة لَا يعرف، رَوَاهُ أَيُّوب أَبُو الْعَلَاء فَلم يصل إِسْنَاده كَمَا وَصله همام قَالَ: «نصف دِرْهَم أَو دِرْهَم» خَالفه فِي الحكم وَقصر فِي الْإِسْنَاد.
قلت: وَأما ابْن السكن فَذكر فِي صحاحه حَدِيث سَمُرَة وَحَدِيث قدامَة. وَقَالَ الْمَاوَرْدِيّ من أَصْحَابنَا بِمُقْتَضَى الحَدِيث حَيْثُ قَالَ: يسْتَحبّ لمن ترك الْجُمُعَة بِلَا عذر أَن يتَصَدَّق بِدِينَار أَو نصف دِينَار؛ لهَذَا الحَدِيث. ثمَّ قَالَ: وَلَا يلْزم ذَلِك؛ لِأَن الحَدِيث ضَعِيف.
وَأما حَدِيث عَائِشَة- رَضِيَ اللَّهُ عَنْها- فَأخْرجهُ أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ من حَدِيثهَا مَرْفُوعا: «من فَاتَتْهُ صَلَاة الْجُمُعَة فليتصدق بِنصْف دِينَار». أعله ابْن الْجَوْزِيّ فَقَالَ فِي علله: لَا يَصح، فِيهِ رجل مَنْسُوب إِلَى الْكَذِب.

.كتاب صَلَاة الْخَوْف:

ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فسبعة:

.الحديث الأول:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصل صَلَاة الْخَوْف فِي حَرْب الخَنْدَق».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف فِي بَاب الْأَذَان مَعَ الْجَواب عَنهُ.

.الحديث الثَّانِي:

صلَاته بِبَطن نخل، وَهِي أَن تصلى مرَّتَيْنِ كل مرّة بفرقة. رَوَاهَا جَابر وَأَبُو بكرَة.
هُوَ كَمَا قَالَ، أما حَدِيث جَابر فَرَوَاهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا عَنهُ، أما البُخَارِيّ فَرَوَاهُ فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع من كتاب الْمَغَازِي وَلَفظه عَنهُ: «كُنَّا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَخْل فَصَلى الْخَوْف». وَلما أخرج حَدِيث صَالح بن خَوات الْآتِي، قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِنَخْل... فَذكر صَلَاة الْخَوْف.
وَأما مُسلم فَرَوَاهُ هُنَا وَلَفظه عَنهُ: «أَنه صَلَّى مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْخَوْف، فَصَلى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ صَلَّى بالطائفة الْأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ، فَصَلى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع رَكْعَات وَصَلى بِكُل طَائِفَة رَكْعَتَيْنِ».
وَأما حَدِيث أبي بكرَة فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ قَالَ: «صَلَّى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي خوف الظّهْر، فَصف بَعضهم خَلفه وَبَعْضهمْ بِإِزَاءِ الْعَدو، فَصَلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم، فَانْطَلق الَّذين صلوا مَعَه فوقفوا موقف أَصْحَابهم، ثمَّ جَاءَ أُولَئِكَ فصلوا خَلفه، فَصَلى بهم رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم فَكَانَت للنَّبِي أَرْبعا وَلِلْقَوْمِ رَكْعَتَيْنِ».
وَرَوَاهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه بقريب من هَذَا اللَّفْظ. وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه لَكِن بِلَفْظ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام صَلَّى بالقوم فِي الْخَوْف صَلَاة الْمغرب ثَلَاث رَكْعَات ثمَّ انْصَرف، وَجَاء الْآخرُونَ فَصَلى بهم ثَلَاث رَكْعَات». قَالَ الْحَاكِم:
سَمِعت أَبَا عَلّي الْحَافِظ يَقُول: هَذَا حَدِيث غَرِيب. ثمَّ قَالَ الْحَاكِم: هُوَ صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ.
فَائِدَتَانِ:
الأولَى: أبدى ابْن الْقطَّان لحَدِيث أبي بكرَة هَذَا عِلّة فَقَالَ فِي كتاب الْوَهم والإِيهام: عِنْدِي أَن هذَيْن الْحَدِيثين- يَعْنِي حَدِيث أبي بكرَة من طريقيه- غير متصلين، فَإِن أَبَا بكرَة لم يصل مَعَه صَلَاة الْخَوْف، وَإِن كَانَ قد قَالَ فِي حَدِيث أبي دَاوُد «أَنه صلاهَا مَعَه» وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِك؛ لِأَن من المتقرر عِنْد أهل السّير والأخباريين- وَهُوَ أَيْضا صَحِيح الْإِسْنَاد الْموصل عِنْد الْمُحدثين- أَنه أسلم حِين حِصَار الطَّائِف، نزل من سورها ببكرة وَبهَا كني أَبَا بكرَة، وحصار الطَّائِف كَانَ بعد الِانْصِرَاف من حنين، وَقيل: قسم غنائمها بالجعرانة، وَلما انْتقل عَنْهَا إِنَّمَا انْتقل إِلَى الْجِعِرَّانَة فقسم بهَا غَنَائِم حنين، ثمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَة فَأَقَامَ بهَا مَا بَين ذِي الْحجَّة إِلَى رَجَب، ثمَّ خرج إِلَى تَبُوك غازيًا للروم، فَأَقَامَ بتبوك بضع عشرَة لَيْلَة لم يجاوزها وَلم يكن بهَا حَرْب تصلى لَهَا صَلَاة الْخَوْف، وَهِي آخر غَزْوَة غَزَاهَا بِنَفسِهِ عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام، فعلَى هَذَا لَا أَدْرِي لصَلَاة أبي بكرَة مَعَه موطنًا، وَقد جَاءَت عَنهُ فِي هَذَا رِوَايَات لَا توهم أَنه شَهِدَهَا كَرِوَايَة أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ عَن أبي حرَّة، عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى بِأَصْحَابِهِ صَلَاة الْخَوْف فصفهم صفّين صف بِإِزَاءِ الْعَدو» الحَدِيث. ذكره الْبَزَّار، وَلَيْسَ فِي هَذَا مَا يُنكر، فَإِنَّهُ لم يقل أَنه صلاهَا مَعَه، وَكَذَلِكَ رِوَايَة أَشْعَث، عَن الْحسن، عَن أبي بكرَة ذكرهَا الْبَزَّار أَيْضا، فَاعْلَم ذَلِك.
الْفَائِدَة الثَّانِيَة: بطن نخل مَكَان من نجد من أَرض غطفان، هَكَذَا قَالَ صَاحب الْمطَالع وَالْجُمْهُور.
وَقَالَ الْحَازِمِي: بطن نخل قَرْيَة بالحجاز.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي تهذيبه: وَلَا مُخَالفَة بَينهمَا. قَالَ فِي شرح الْمُهَذّب: وَاعْلَم أَن بطن نخل مَوضِع من أَرض نجد من أَرض غطفان، فَهِيَ وَذَات الرّقاع من أَرض غطفان ولكنهما صلاتان فِي وَقْتَيْنِ مُخْتَلفين.
وَفِي كتاب الْمَغَازِي من صَحِيح البُخَارِيّ عَن جَابر قَالَ: «خرج النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى ذَات الرّقاع من أَرض نخل فلقي جمعا من غطفان فَلم يكن قتال وأخاف النَّاس بَعضهم بَعْضًا، فَصَلى النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتي الْخَوْف.